مُعجِزَاتُ سيدِنَا عيسَى عليهِ السَّلام
إنَّ الحمدَ للهِ نحمدُه ونستعينُه ونستهدِيهِ ونشكرُه ونعوذُ باللهِ منْ شرورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالِنا، منْ يهدِه اللهُ فهوَ المهتَد ومنْ يضلِلْ فلنْ تجدَ لهُ وليًّا مرشداً. وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ ولا مثيلَ لهُ ولا ضدَّ ولا ندَّ لهُ وأشهدُ أنَّ سيدَنا وعظيمَنا وقائدَنا وقرةَ أعينِنا محمدًا عبدُه ورسولُه وصفِيُّه وحبيبُه صلَّى الله عليهِ وسلَّم منْ بعثَه اللهُ رحمةً للعالمينَ هاديًا ومبشرًا ونذيرًا بلغَ الرسالةَ وأدَّى الأمانةَ ونصحَ الأمةَ فجزَاهُ اللهُ عنَّا خيرَ ما جزَى نبيًا من أنبيائِه صلواتُ اللهِ عليهِ وعلَى كلِّ رسولٍ أرسلَه أمَّا بعدُ فيَا عبادَ اللهِ أوصيكُم ونفسِي بتقْوَى اللهِ العليِّ العظيمِ فاتقُوهُ، التزِمُوا بطاعتِهِ أدُّوا الواجبَ واجتَنِبوا الحرامَ يقولُ اللهُ تعالىَ فِي القرءانِ الكريمِ: ﴿إذْ قالتِ الملائكةُ يا مريمُ إنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ بكلمةٍ منهُ اسمُه المسيحُ عيسى ابنُ مريمَ وجيهًا في الدنيا والآخرةِ ومنَ المقرَّبِينَ، ويُكَلِّمُ الناسَ في المهدِ وكهلاً ومن الصَّالحِين﴾. لما بلَغَ سيدُنا عيسى المسيحُ عليه السلام الثلاثينَ من عُمرِهِ، أَوْحَى اللهُ تعالى إليهِ أنْ يدعُوَ الناسَ إلى عبادةِ اللهِ عزوجلَّ، فخرجَ يجوبُ البلادَ، ويجولُ القرى، يدعو إلى الإسلامِ قائلاً للناسِ: "اُعبُدوا اللهَ وحدَه ولا تُشرِكوا بهِ شيئًا وءامِنوا بأنِّي رسولُ اللهِ إليكم"، فآمنَ بهِ أولَ منْ ءامنَ اثنا عشرَ شخصًا يُسمَّوْنَ "الحواريِّين".
إخوة الإيمان، يُروَى أنهُ كانَ مِنْ أولِ معجزاتِ سيدِنا عيسى عليهِ السلامُ، أنَّ والدتَه مريمَ عليها السلامُ دفعَتْهُ مرَّاتٍ عديدةً للقيامِ بأعمالٍ شتَّى، وءاخِر من دفعَتْهُ إليهم كانوا جماعةَ صابغِي الثيابِ يُبَيِّضُونها ويُلوِّنونَها، فأرادَ صاحبُ العملِ السفرَ، فقالَ لسيدِنا عيسَى عليهِ السَّلام: عندِي ثيابٌ كثيرةٌ مختلفةُ الألوان، وقد علَّمْتُكَ الصِّبْغَةَ فاصبِغْ كلَّ واحدةٍ منها باللونِ الذي حدَّدته لكَ ووضعتُ خيطًا من اللونِ المطلوبِ عليها. فسخَّنَ سيدُنا عيسَى عليه السلام وعاءً واحدًا كبيرًا وضعَ فيه ألوانًا عديدةً، ثم وضعَ الثيابَ كلَّها في هذا الوعاءِ وقالَ: "كونِي بإذنِ اللهِ على ما أريدُه منكِ" فعادَ صاحبُ العملِ من السفرِ والثيابُ كلُّها في الوعاءِ، فلما رءاها دُهشَ وقال: لقد أفسدتها، فأخرجَ سيدُنا عيسى ثوبًا أحمرَ وثوبًا أصفرَ وءاخرَ أخضرَ إلى غيرِ ذلكَ مما كانَ على كلِّ ثوبٍ مكتوبٌ عليهِ صِبغَتُه. فعَجِبَ صاحبُ العملِ وعلِمَ أنَّ ذلكَ منَ اللهِ فآمنَ بسيدِنا عيسى عليه السلام ودعا الناسَ إليه فآمَنوا به، وكان هذا الرجلُ من جملةِ الحواريِّينِ الذين كانوا يشُدُّونَ أزرَ سيدِنا عيسى في دعوتِه إلى دينِ اللهِ تعالى.
وتوالتِ المعجزاتُ، فمرَّ يومًا بجماعةٍ يصطادونَ السمكَ وريسُهم يُدعى شمعون. فقالَ لهم سيدُنا عيسى: "ما تَصنَعون"؟ قالوا نصيدُ السمكَ، قالَ: "أفلا تمشونَ حتى نصيدَ الناسَ" أي لنهديَهم إلى الإسلامِ، قالوا: ومن أنتَ؟ فأجابَ: "أنا عيسى بنُ مريمَ عبدُ اللهِ ورسولُه" فسألوهُ دليلاً يدُلُّهم على صدقِه في ما قالَ، وكان شمعون قد رمى بشبكتِه في الماءِ تلكَ الليلةَ فما اصطادَ شيئًا، فأمرَه سيدُنا عيسى عليه السلام بإلقاءِ شبكتِه مرةً أخرى ودعا اللهَ تعالى متضرِّعا إليهِ. فما هي إلا لحظات يسيرة حتى اجتمَع في تلك الشبكةِ من السمكِ ما كادت تتمزقُ من كثرتِه، فاستعانُوا بأهلِ سفينةٍ أخرى وملؤوا السفينتينِ منَ السمكِ، فعندَ ذلك ءامنوا بهِ وانطلقوا معه، فصاروا من جملة الحواريينَ الذين صاروا يهدونَ الناسَ إلى دينِ الإسلامِ. وسُمُّوا بالحواريِّينَ لبَياضِ ثيابِهم. وقيلَ بل لأنَّهم كانوا أنصارَ سيدِنا عيسى عليه السلام وأعوانَه المُخلصِينَ في محبَّتِه وطاعتِه وخِدمتِه.
لم يكن أهلُ الحسدِ والحقدِ بعيدينَ عن أخبارِ تلكَ المعجزاتِ الباهراتِ التي كانت تظهَرُ على سيدِنا عيسى المسيح، وشعَروا أن البساطَ يُسحبُ من تحتِهم وأنه يهدِّد كراسِيَّهم ومناصبَهم، فكم غرُّوا أناسًا وأضلُّوهُم وحادُوا بِهم عن طريقِ الحقِّ لمآربِهم الدنيئةِ الخبيثة، وها هو سيدُنا عيسى الثابتُ القويُّ بالحجةِ والبرهان، يفضحُ أسرارَهم، وينشرُ بينَ الناسِ مخازِيهم، فأجمَعوا أمرَهم بينَهم على محاربتِه أينما حلَّ، وتكذيبِه حيثُما ذهب. ويومًا قالُوا لهُ إن كنتَ صادقًا في قولِكَ ودعوتِك فصوِّرْ لَنا خُفاشًا من الطينِ واجْعلْهُ يطيرُ، فقامَ سيدُنا عيسى متوكِّلاً على اللهِ تعالى وأخذَ طِينًا وجَعلَ منهُ خُفَّاشًا ثم نفخَ فيهِ فقامَ يطيرُ بإذنِ اللهِ بينَ السماءِ والأرضِ وسطَ دهشةِ الناظرين، ولكنهُ ما إن غابَ عن أعيُنِهم حتى سقَطَ ميِّتًا. وتحققت هذه المعجزةُ فانغاظَ الذين كذَّبوه إذ طلبوا الخفاشَ لأنهُ من أعجبِ وأغربِ الخلق، ومن أكملِ الطيورِ خَلقًا، لأنَّ لأنثاهُ ثديَينِ وأذنين. ومن عجائِبه أنه من لحمٍ ودمٍ يطيرُ بغيرِ ريشٍ، ويلدُ كما يلدُ الحيوانُ، ولا يبيضُ كما تبيضُ سائرُ الطيور، فيكونُ له الضرعُ يخرجُ منهُ اللبن. ولا يبصِرُ في ضوءِ النهارِ ولا في ظلمةِ الليل، وإنما يرى في ساعتينِ، بعدَ غروبِ الشمسِ ساعة، وبعد طلوعِ الفجرِ ساعة، ويضحكُ كما يضحكُ الإنسان، وتحيضُ أنثاهُ كما تحيضُ المرأةُ. وكانَ تسويةُ الطينِ والنفخُ من سيدِنا عيسى والخلقُ من اللهِ عز وجل.
وكان من معجزاتِه عليهِ السلامُ أنه كان يبرِئُ الأكمهَ الذي يولدُ أعمى، والأبرص بإذنِ اللهِ، والبرصٌ مرضٌ يصيبُ الجلدَ ويكونُ على شكلِ بياضٍ يغطِّي مساحاتٍ من الجسمِ فيُنفرُ من صاحبِه، وخُصَّ هذانِ المرضانِ بالذكرِ لأنهما داءان مُعضِلان. وكان الغالبُ على زمنِ سيدنا عيسى الطبَّ، فأراهُم اللهُ المعجزةَ على يدي سيدِنا عيسى من جنسِ ذلك، وكان يُحْيِي الموتى بإذنِ اللهِ، حتى قِيلَ إنه أحيا أربعةً من الخلقِ بمشيئةِ اللهِ وقدرتِه، وكانَ سيدُنا حزقيلُ قبلاً أحيا ثمانيةً وهو نبيٌّ من أنبياءِ اللهِ من بنِي إسرائيلَ كما أن سيدَنا عيسى من بنِي إسرائيل. ومن الذين أحياهم سيدُنا عيسى عليه السلامُ بإذنِ اللهِ أحدُ أصدقائِه واسمُه عازرُ. إذ لمَّا مرِضَ أرسلَتْ أختُه إلى سيدِنا عيسى عليه السلام أن عازرَ يموتُ فسارَ إليه وبينهَما ثلاثةُ أيامٍ فوصلَ إليهِ فوجدَه قد ماتَ، فأتى قبرَه فدعا اللهَ عز وجل وقال "قُمْ بإذنِ اللهِ" فقامَ عازرُ بإذنِ اللهِ وعاشَ ووُلِد له.
ومن الذين أُحيُوا بإذنِ اللهِ على يدي سيدِنا عيسى عليه السلام ابنُ العجوزِ فإنهُ مرَّ به محمولاً على سريرِه فدعَا له سيدُنا عيسى عليه السلام أن يقومَ بإذنِ اللهِ، فقامَ ونزلَ عن أكتافِ الرجالِ ولبسَ ثيابَه ثم حملَ سريرَه ورجعَ إلى أهلِه.
ومن معجزاتِه صلى الله عليه وسلم أنهُ كان ينبِّئُ قومَه بما يأكلونَهُ ويدَّخرونَه في بيوتِهم، وذلكَ أنهُ لما أحيا لهمُ الموتى بإذنِ اللهِ طلبوا منهُ ءايةً أخرى وقالوا: أخبِرْنا بما نأكُلُ في بيوتِنا وما ندَّخِرُ للغدِ، فأخبرَهم، فقالَ: "يا فلانُ، أنتَ أكلتَ كذا وكذا، وأنتَ أكلتَ كذا وكذا وادَّخَرْتَ كذا وكذا.
وكان من طفولتِه يخبرُ الصبيانَ في الكتابِ، أي المكانِ الذي يدرسُ فيه الصبيان، بما يدَّخِرون، ويقولُ للغلام: "انطلِقْ فقد أكلَ أهلُك كذا وكذا وخبأُوهُ لك في مكانِ كذا".
اللهم ثبِّتنا على الحقِّ واجمَعْنا بعيسى ابنِ مريمَ عليه السلام وسائرِ أنبيائِك في جنَّتِكَ يا ربَّ العالمينَ. هذَا وأستغفرُ الله لِي ولكُم.
الخطبة الثانية
إن الحمدَ للهِ نحمَدُهُ ونستغفِرُه ونستعينُه ونستهديهِ وأشهدُ أن لا إله إلا اللُه وحدَهُ لا شريكَ له وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه صلواتُ اللهِ وسلامُه عليهِ وعلى كلِّ رسولٍ أرسله. أما بعد عبادَ اللهِ أوصيكُم ونفسيَ بتقوى اللهِ العليِّ العظيمِ.اللهمَّ اغفِرْ للمُؤمنينَ والمؤمناتِ الأحياءِ منهُم والأمواتِ إنَّكَ سميعٌ مجيبُ الدَّعَوات عبادَ اللهِ إن اللهَ يأمرُ بالعدلِ والإحسانِ وإيتاءِ ذي القُربى وينهى عن الفحشاءِ والمنكرِ والبغي، يعظُكم لعلكم تذكَّرون. اُذكُروا اللهَ العظيمَ يذكُرْكم واشكروهُ يزِدْكم واستغفِروهُ يغفِرْ لكم واتقوهُ يجعلْ لكم من أمرِكم مخرجًا